استراتيجيات وقواعد في تدريب صعوبات التعلم

الكاتب: دكتور جهاد عليان

دور المدرسة في  تنمية مهارات التركيز والانتباه

منذ اللحظة التي يلتحق فيها الأطفال بالمدرسة سوف يركز المعلمون على تدريبهم على الجلوس في هدوء والإنصات في يقظة عندما يدرسونه لهم أو للقصص أو المناقشات التي يديرونها. وسوف يمنحون الأطفال عددا من الأنشطة المخطط لها، ولكنهم سيحثونهم في نفس الوقت على التركيز لفترات متزايدة من الوقت على نشاط واحد. ويقومون بتوضيح توقعاتهم من خلال المدح والتشجيع أو الملصقات أو النجوم والتعليقات الإيجابية.

عندما يبدأ الأطفال حياتهم المدرسية يود الكثير منهم الانتقال سريعا من نشاط إلى آخر وعدم الجلوس في مكان واحد لأكثر من دقيقة أو اثنين فقط. فالمحيط الجديد يثيرهم وهذا أمر طبيعي مما يجعلهم يرغبون في القليل من كل شيء. وحيث إن فصول الاستقبال كانت امتدادا لدور الحضانة التي يتم فيها التعلم من خلال اللعب كانت لدى هؤلاء الأطفال فرصة لبناء قدرتهم على التركيز لفترات أطول على نشاط معين بشكل تدريجي بطيء. أما الآن فمنذ بدء الحياة المدرسية، يطالب الأطفال بالجلوس في هدوء لمدة عشرين أو ثلاثين دقيقة مرة واحدة، وهو الأمر الذي يجده الكثير من الأطفال – خاصة الصبية كثيري الحركة – شبه مستحيل.

ويجب أن تتذكر أن أعلى مستويات الانتباه لدى الكبار الذين يتمتعون بقدر بالغ من الانتباه هو عشرون دقيقة، حيث إن الكثير منا ينساقون وراء أفكارهم وأمورهم الخاصة أو يتحول انتباههم إلى ما يحدث حولهم أو ما يفعله الآخرون. وبالتالي فإن الأطفال – الذين يقل مستوى تركيزهم عن ذلك بحكم الطبيعة – يحتاجون إلى تشجيع مستمر لحمايتهم من الشرود الذهني وتمكينهم من العودة للتركيز مرة أخرى على المهمة التي بين أيديهم.

ويمنح فريق التدريس الجيد الطفل تعليقات إيجابية كل عدة دقائق على غرار: "رائع أن تنصت" أو " أرى أنك تعمل بجد حقا" وغيرها من التعليقات التي من شأنها جذب انتباه الطفل مرة أخرى نحو المهمة التي بين يديه. وبإمكان المعلمين إطالة فترة اهتمام الطفل بنشاط معين بتشجيعه على زيادة ما يقوم به "أكثر قليلاً" أو "الاستمرار في المحاولة لفترة أطول".

وتدرك المدارس الجيدة أن أطفالها الذين يتعلمون من خلال الإحساس والحركة، يمكنهم التركيز والانتباه من خلال بناء النماذج، أو الطهي، أو النقر على الطبول، أو الرسم، أو ممارسة إحدى الرياضات. ومن خلال هذه الأنشطة تغرس المدرسة تقدير الذات والكفاءة داخل الأطفال مع الاحتفاظ بالحافز لديهم في أعلى مستوياته عندما تكون هناك أشياء أكثر صعوبة بالنسبة لهم، مثل التركيز على نشاط معين يتصل بمادة الرياضيات.

ولعل أحد الأمور الأساسية اللازمة حتى يستطيع الطفل التركيز وإنجاز المهام هو أن يكون قادراً على فهم أن كل مهمة لها بداية، ووسط ونهاية وأن يكون قادراً على تقدير المدة التي ستستغرقها هذه العمليات. وغالباً   ما يواجه الطفل صعوبة في الجلوس والبدء في مهمة معينة ومن ثم يكون بحاجة إلى المساعدة والدعم للقيام بذلك. وفي بعض الأحيان يتوقف عند منتصف المهمة ويكونون بحاجة للتقدم نحو الخطوة التالية وفي أحيان أخرى يعجزون عن بذل ذلك الجهد الإضافي اللازم لإتمام أي مهمة بنجاح (وهؤلاء هم الأطفال الذين يجدون أنفسهم مستمرين وقت الغداء لإنهاء عملهم). وهنا تكون وظيفة المعلم الجيد أن يدرك احتياجات الأطفال على اختلاف شخصياتهم بحيث يمكن تقديم الملائم لهم في الوقت المناسب تماماً. فبعض المعلمين يمنحون الأطفال أوقاتاً يتوقعون فيها مثلاً استكمال جملة أو جملتين ناقصتين. وهناك آخرون يوقفون الأطفال ويسألونهم عن المرحلة التي وصلوا إليها في المهمة المطلوبة منهم ويذكرونهم بالوقت المتاح لهم لإنجاز المهمة والانتهاء منها. ومرة أخرى أكرر: إن الثناء والتشجيع يوفران الحافز لإعادة المتعلم الذي يفتقر إلى الانتباه إلى التركيز مرة أخرى.

وهناك عنصر أساسي آخر في بناء القدرة على التركيز وهو الكف عن الانشغال بكل ما يحدث حولنا والتركيز على ما يتوجب علينا عمله. وقد يكون هذا أمراً بالغ الصعوبة في حجرة الدراسة حيث يوجد ثلاثون أو خمسة وثلاثون شخصاً منهمكين في عدد من المهام. فقد يكون هناك بعض الأطفال الذين يثرثرون أو قد يكون المعلم بصدد شرح بعض الأشياء لمجموعة صغيرة من الأطفال، وقد يكون هناك من يتجولون في أرجاء الحجرة وهناك من يشحذ قلمه الرصاص.. إلخ. فالأطفال بحاجة إلى التدريب والتعليقات الإيجابية لسد الطريق أمام جميع المشتتات والإبقاء على تركيزهم. والمعلم المتعاطف يدرك أن بعض التلاميذ لن يكتسبوا هذه المهارات إلا من خلال إعطائهم مساحة للعمل بعيداً عن أية مشتتات. فإن تخصيص موقع عمل انفرادي للطفل في ركن هادئ لا يعد كونه وسيلة للعقاب فحسب بل إنه من الممكن أن يكون وسيلة يبني الطفل من خلالها مهارات الانتباه والتركيز لديه.





أترك تعليقك